Sunday, November 15, 2015

من هو قريبي؟

كان إنسانٌ منحدرًا بين باريس والقاهرة، مرورًا بدمشق وبغداد وبيروت. وقطع طريقه لصوصٌ.
دواعشٌ كانوا في كلِّ طريقٍ.
يقطعون الطرق، يهدمون الثقافة، يثيرون الفتن، يسرقون البهجة، يزيلون الحضارة، وينسفون الإنسان.
قطيعُ قطاعٌ قطعٌ تتحرك في كلِّ مكانٍ.
يتكلمون باسم الله. ويتحركون بأيدٍ خفيةٍ.
والإنسانُ ينحدرُ بين عواصمٍ مناراتٍ لحضاراتِ لم تنتهِ.
قطعوا طريقه وتركوه بين حيٍّ وميت.
ومر به كاهنٌ، أبصره وجاز.
ولاوٍ، نظر وتكلم ثم مضى في طريقه.
وأناسٌ آخرون فيهم من تكلم وشجب واعترض، ومن تسابق على الكلام، ومن تنافس على أي طريقٍ كان فيه الإنسان.
وبقيت الإنسانيّة تنحدر من أورشليم السماء إلى أريحا.
فهل من سامريٍّ صالحٍّ يضمد جراحها مرةً أخرى ويسكب زيتًا وطيبًا وخمرًا؟
هل من فندقٍ يستقبلها من جديد ويعتني بها؟
أم أصبحنا جميعًا نتسابق في القاء النظرات ونمضي في طريقنا، ولا نعرف من أي مدينةٍ نأتي وإلى أي مدينة ننطلق؟

سامر حنّا
١٥/١١/٢٠١٥
من وحي إنجيل اليوم للطقس البيزنطي (السامري الصالح) والأحداث الحالية

Saturday, August 22, 2015

عشرون يومًا قبل الصليب

يبقى عشرون يومًا على اليومِ المشهود. ولا يكُفَ الأهل والأصدقاء عن سؤالي إذا كنتُ جاهزًا أم لا. ودائمًا ما يكون ردي الطبيعي: بماذا عليَّ أن أجهز؟
إن الزواجَ قرارٌ ليس سهلاً. ففيه إنهاءٌ للعزوبيّة، للاعتماد على الأهل، وللحرية.
يبدو لي أن حريتي هي ما يجب عليَّ أن أضحي بها... وبملء حريتي!
الزواج والعزوبيّة لله، سواءً في رهبنة أو كهنوت، يبدوان لي الآن وجهين لعملةٍ واحدة.
بملء الحرية، يجب عليك أن تموت. تموت عن حريتك، عن اختياراتك الشخصيّة لتكون اختيارات جماعيّة، تموت عن وقتك الشخصيّ ليكون وقتكما معًا في حالة الزواج ووقت الجماعة في الحالات الأخرى. تموت عن شهوتك، ففي اختيارك لزوجة، أنت تميت احتماليّة الأخرياتِ بملء إرادتك.
بملء الحرية يجب التضحية بالحرية حتى يتم اخلاء ذات كامل... وهذا هو الحب... أو بالأحرى المحبة.
ويبدو أنّ المسيحَ كان محددًا في كلامه. فهو من قال: "كونوا قديسين كما أن أباكم قدوس". وقال أيضًا: "من أراد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني". ودعا دعوةً واحدة: "اتبعني"!
إن دعوةَ المسيحيّ الأولى هي اتباع المسيح... فقط لا غير.
اتباع المسيح أي اخلاء الذات الكامل كما فعل هو... أخلى حريته الكاملة وأمات اختياراته باختياره... ليقوم ويبقى متحدًا دائمًا بالآب.
الآب الذي أولاً أخلى ذاته في الابن. والابن الذي يرد له هذا الحب وهذه الحرية.
إن كان هناك من دعوةٍ أولى للإنسان فهي "صورة الله ومثاله" وليس إلا.
الله الذي لا يكفَ ولا يمل من اخلاء حريته وحبه الكاملين... في ذاته وفي خلقه الذي أحبه قبل الخلق.
وإن كان هناك من دعوة للإنسان، فهي اتباع هذا المثال الذي توج على الصليب.
ليكون فراش الزوجيّة صليبًا... ويكون اللباس الرهبانيّ أو الكهنوتيّ صليبًا...

لتكون صورة الله هي غاية الزواج أو التبتل... بل غاية الحياة.

سامر حنّا
22/8/2015

Tuesday, February 24, 2015

"أين تريد أن نمضي ونعد لك لتأكل الفصح؟"

"أين تريد أن نمضي ونعد لك لتأكل الفصح؟"

سأل التلاميذُ المعلمَ عن المكان الذي يريد أن يأكل الفصح فيه... غيرَ مدركين إنّه منذ الأزل "حمل الله" الحقيقيّ... حمل الفصح الجديد... الذبيحة المرضيّة الوحيدة...
أنّ المكان يكادُ أن يتعدى المنظور... يتجاوز ما يرى وما يُدرك...
أنّ الذبيحة الأوحد لا يُكسَر له عظم... بل يُرفع... ومتى ارتفع رفع إليه كلّ من يقبله....
أنّه ليصعد، وَجَب عليه أن ينزل... ينزل أولاً إلى أسفل أسافل أعماق ديجور الظلام...

ونحن اليوم في بدايةِ الصوم الأربعينيّ المقدس، نسأل السيد "أين تريد أن نعد لك الفصح؟".

هذا السيد الذي نزل أولاً إلى أسافل خفايا قلوبنا ليمزقها ويحررها... هذا السيد الرحيم بطيء الغضبِ طويلُ الأناة الذي طلب منا تمزيق قلوبنا لا ثيابنا... هذا السيد الذي تعدى الذبيحة والشريعة ليصل بها إلى مستوى أعمق ومعنى أهم...
مستوى الشهادة والضمير...
واليوم إذا كنا نطرح هذا السؤال: "أين تريد أن نعد لك الفصح؟"، فلنجد الإجابة في الفصح الجديد...
هذا الفصح القائل "حيث يكون قلبك يكون كنزك"...
فلنطرح عنّا كلَّ اهتمامٍ ونمزق قلوبَنا، فاتحين إياها لتستقبل الحمل النازل إلى أسافل ديجور خطيئتنا...

ليرفعنا إلى كنزنا...

قلبه المطعون... المنتصر.

سامر حنّا
بدء الصوم الأربعينيّ
فبراير 2015