Wednesday, September 25, 2013

رحمة...

يوم آخر من أيامي في القاهرة مرّ. يومٌ مثقل بأفكارٍ ومملوءٌ بأحلامٍ ومزيّنٌ بأوقاتٍ ممتعةٍ. كنت أفكر في اجتماع الصلاة اليوم، والقراءة التي تأملنا فيها "دعوا الأطفال يأتون إليَّ". كنت أحلم بالمقال الجديد الذي سأكتبه حول أهميّة الفلسفة وعلاقتها بتقدم الشعوب. كنت أسترجع لحظات ممتعة قضيتها اليوم مع كلِّ من أحب. وكعادتي في نهاية كلِّ يومٍ، قبل عودتي إلى المنزل، ذهبت إلى المقهى. فوجدت مجموعة كبيرة من الأصدقاء منشغلين كعادتهم، بين الحوار عن السفر، أو كرة القدم، وبين لعب الألعاب الإلكترونيّة. ولكنّي فضلت الجلوس خارج الدائرة، فانضم لي صديقين، وما أن مسكت هاتفي المحمول لأكتب نقاط رئيسيّة سأستخدمها في مقالي، حتى ظهرت رحمة. رحمة فتاة صغيرة في الخامسة من عمرها. رحمة بائعة مناديل بالوراثة. رحمة لا تحب المدرسة. رحمة تلبس لباسًا واحدًا صيفًا وإذا جاء الشتاء تُدخل يديها داخله. رحمة لا تعرف هل اسمها هو رحمة أم شيماء. رحمة لا تحلم. رحمة تريد أن تصبح بائعة مناديل حين تكبر. رحمة لا تعرف أين أبوها بعد خروجه من السجن، الذي دخله لأنّه قطع يد أحدهم. رحمة أرادت أن تلعب بهاتفي المحمول، لعبة هي ادخال كلمة السرّ لفتح الهاتف. رحمة رأت صورة المصلوب على شاشة الهاتف، فطلبت أن يكلمها. رحمة لها أخ، اسمه لالا. رحمة أرادت أن تشرب مشروب العناب البارد. رحمة خافت عندما رأت خالتها التي قالت لها: "عاملينك بني آدمة ومقعدينك على كرسي وطلبنلك عناب كمان".
طلب لها صديقي العناب. سألتها ماذا تريدين أن يقول المصلوب لكِ، وأنا أفكر في كلمة "أحبكِ". هل تعرف أصلاً لفظ الحبّ؟ هل كان سيقول إن لم تقبلوا ملكوت السماوات مثل هؤلاء لن تدخلوه؟ حاولت أن أرد على خالتها وأقول لها أن رحمة "بني آدمة". شكر صديقي الله على ما عنده. وسألت أنا نفسي، لماذا؟ لماذا هناك مثل رحمة الكثيرون؟ هل رحمة هي نتاج المجتمع؟ أم النظام؟ أم الثورة؟ أم التعليم؟ أم الدين؟ أم الجهل؟ أم هي نتاجنا نحن، أنا وأنت؟

مضت رحمة في طريقها. ورجعت أستمع لترتيبات السفر من مجموعة الأصدقاء. ثم ركبت سيارتي المكيّفة ووصلت إلى بيتي، وجلست إلى الكمبيوتر أكتب هذا المقال وأفكر في مقالي الآخر... وفي رحمة.

1 comment:

  1. impressive..
    هل رحمة هي نتاج المجتمع؟ أم النظام؟ أم الثورة؟ أم التعليم؟ أم الدين؟ أم الجهل؟ أم هي نتاجنا نحن، أنا وأنت؟
    actually, it is because everything..
    it brought tears to my eyes and made me remember that I feel so every time I see someone like her out there in the streets..!

    ReplyDelete