Saturday, March 29, 2014

يا أعزائي، كلنا متحرشون

بات التحرش أحد السمات الواضحة في مجتمعنا المصري المعاصر... ويبقى السؤال عن أسباب التحرش مطروحاً بدون إجابة واضحة... فعندما نسأل عن سبب هذه الظاهرة، تطالعنا عدة أسباب يتم الرد عليها مباشرةً.  فكما هو موضح في الصورة، إذا كان الفقر هو السبب، فلماذا يتحرش المدراء وأرباب العمل. وإذا كان الجهل هو السبب، فلماذا يتحرش المعلم؟ وغيرها من اﻷسباب التي يتم دحضها فوراً...
استوقفني أحداث التحرش المستمرة والزائدة هذه اﻷيام، كما استوقفتني هذه الصورة، مما جعلني أحاول التفكير في السبب الرئيسي... وبقليل من المقارنة، وجدت قلة وربما اختفاء هذه الظاهرة في المجتمعات الغربية والتي نقول إنها منفلتة وغير متمسكة بالتقاليد والتعاليم الدينية... مما زاد من حيرتي... ولكني قبل أن أتوصل إلى السبب، توصلت لنتيجة مفزعة...
يا أعزائي، كلنا متحرشون...
نعم هذه حقيقة. بطريقة أو أخرى... رجلاً أو إمرأة... كبيراً أو صغيراً... بالفعل أو بالقول أو بالفكر أو بالشهوة أو... أو...
ومن هذه النتيجة، تسائلت ألم يخلقنا الله بهذه الغريزة الجنسية؟
وهنا توقفت...
نعم خلقنا الله برغبة جنسبة، ولكنها رغبة مقدسة... رغبة تكمل رغبتنا إلى الكمال... تكملها بالتكامل... رغبة إلى النمو والتكاثر... رغبة إلى إعطاء الذات للجنس اﻵخر وتكوين جسداً واحداً خلاق ليعطي الحياة...
ولكن ماذا يحدث في الواقع؟ في الواقع، إن رغبة اﻹنسان للتفرد خلقت في داخله شهوة... فبعد أن كان آدم وحواء عريانان... استحا... شهوة حولت الرغبة في إعطاء الذات بحرية إلى شهوة للحصول على كل ما حوله وتجريده من حريته... فأصبح الجنس اﻵخر شيئاً... شيئاً إذا حصلت عليه زاد إحساسي بذاتي وبكمالي!
إذاً ما هو سبب استفحال هذه الظاهرة في محتمعنا؟ وما هو سبب شبه اختفائها عن مجتمعات أخرى؟
أما في مجتمعنا، فقد فقدنا قدرتنا على الحلم، وعلى التفكير، وعلى الفلسفة... وصرنا نعيش في دوامة... فأصبح الجنس متنفسنا... وأصبح قمة هرم احتياجاتنا... وطريقنا لتحقيق ذاتنا...
وساعدت قاعدة "الجنس حرام" وقاعدة "لا تفعل" على ترسيخ هذه اﻷفكار...
فلم تصلنا الثورة الجنسية التي عاشتها المجتمعات الغربية، والتي حررتها فيما بعد من سيطرة القاعدتين السابقتين...
إلا أن المجتمعات الغربية أيضًا بحاجة هي اﻷخرى إلى ثورة تصحيحية، ترجعها إلى حرية الرغبة المقدسة بدلاً من حرية الشهوة التي تعيشها... غير أن ذلك موضوع آخر...
وللختام، إن الجنس هو طبيعة مقدسة تساعدنا على الكمال إذا تحررنا من عبودية شهوته... وإذا وظفناه صحيحاً في عمق دعوتنا إلى الحياة... نعم، نحن نحتاج إلى ثورة جنسية مدعمة برغبة الحياة ودعوة الكمال!

Saturday, March 15, 2014

اختلفنا

في عالم المثل نموذج مثالي يحاول الصانع تقليده فنتج عن ذلك النماذج المختلفة التي نراها في عالم المحسوسات، وتلك النماذج تجاهد للخلاص والوصول لعالم المثل ... هكذا تكلم أفلاطون.
توقفت في اﻷيام السابقة أمام اختلافاتنا. اختلاف شخصياتنا، أفكارنا، مواهبنا، أشكالنا، مشاعرنا، وحتى فصائل دمائنا... وتسائلت هل نحن أمام نماذج؟ أم أمام تطور وانتخاب طبيعي؟ أم نحن أمام خالق عظيم يرى في كل منا فرادة لا ندركها سوى بالانفتاح عليه وعلى اﻵخر؟
إن فكرة أفلاطون تحد من لا محدودية المثال المطلق، وتضعنا أمام صانع عاجز عن اﻹبداع وقادر على التقليد فقط.
وتضعنا فكرة الانتخاب الطبيعي أمام معضلة الاختلاف ولا تحله...
فلا يبقى أمامنا سوى مبدع عظيم يضع لمساته المختلفة في خلقه، ويعطي خليقته الحق لإكمال الصورة التي بدأها...
اختلافاتنا دليل جلي على عظمة وابداع غير محدود ولا مسبوق... وعلى حرية لا تكتفي بالتقليد...
اختلافاتنا كاختلاف أعضائنا تدعونا إلى التكامل لاستكمال أعمال غير محدودة، لا تكتمل فردية بل جماعية!
فلو كنا جميعاً نسخة واحدة لانقرضنا ولم ننم... ولو لم ندرك تكاملنا لقتلنا بعضنا البعض...
إلا إننا مختلفون مكتملون... ففي كل منا بصمة الخالق وصورته... وفي كل منا قبس إلهي مثالي لا يدرك إلا بالانفتاح على اﻵخر وعلى مبدأ ومصدر هذا القبس...
لندرك اختلافاتنا يجب أن ندرك تشابهاتنا... والأساسي لا يرى بالعين، كما قال سانت اكسوبري... بل بالقلب... فلا نعود نروض ونسيطر، بل ننفتح ونحب...
فنرى في الاختلاف عظمة... وفي الآخر بصمة الخالق... وفي الخالق هدف الحياة...

لتكن مشيئتك

"لتكن مشيئتك" ربما تكون الطلبة الثالثة في صلاة اﻷبانا أصعب الطلبات... نقولها يومياً ولكن هل نطلبها فعلاً؟ 
لماذا لا يسمع الله طلباتنا؟ لماذا لا يحدث ما نتمناه؟ لماذا يحدث ما لا نحسبه؟ لماذا؟
نسأل كل هذا ونصبر أنقسنا بكلمات مثل "كل اﻷشياء تعمل معاً من أجل الخير للذين يحبون الله" أو "وإن نسيت المرأة رضيعها" وغيرهما...
ولكن هل نفهم وندرك ما نردده؟
بين إرادة اﻹنسان ومشيئة الخالق نتيه ولا نرتاح...
ألا يسمعنا من خلقنا؟ ألا يرانا من يملأ الكون؟ ألا يعرف ما نريد من هو أقرب لنا من الوريد؟
منذ البدء خلق الله اﻹنسان على صورته كمثاله... ومنذ خطوات اﻹنسان اﻷولى على هذا الكوكب، وهو لم يدرك هذا اﻹمتياز ويختار أن يسمع غواية الحية الكاذبة: "تصيران كاﻵلهة".
ينظر اﻹنسان إلى إرادته حالاً وحده... إرادته ليكون إله...
وينظر الله دائماً إلى صورته، الذكر واﻷنثى... ومشيئته لخلقهما على مثاله...
يعيش اﻹنسان اللحظة الزمنية المكانية الوحيدة...
ويحيا الله اللحظة اﻷبدية غير المحدودة المتحدة...
ينظر اﻹنسان حاضره ومكانه ووحدانيته...
ويرى الله ماضيه وحاضره ومستقبله وإخوته...
وربما لذلك تسبق "ليأت ملكوتك" الطلبة الثالثة... فكما يقول يسوع المسيح: "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره، وكل اﻷشياء تزاد لكم".
يعلمنا يسوع طلب الملكوت فهو مشيئة الله الوحيدة لنا... مشيئته هي خلقنا على صورته كمثاله... مشيئته هي الملكوت...
أما إرادتنا فتطلب... الحل اﻷسرع... الطريق الرحب... "إن أكلتما من هذه الشجرة... تصيران كاﻵلهة".
فكان الاختباء هو الحل الأمثل لآدم...
فلا يكون هو حلنا... بل طلب الملكوت من ملك الملكوت...
لا نستطيع معرفة إرادة الله وقبولها بعيداً عن الله... بل بالعكس... برؤيته... والجلوس معه... والتمثل به... وطلب ملكوته...
فلنطلب ملكوت الله، لتكن مشيئته كما في السماء كذلك على اﻷرض.
سامر حنا
15/3/2014