Monday, August 26, 2013

ماذا لو (1)

السؤال الأشهر عند كلِّ من يحاول إعمال عقله وتأمل الأحداث بطريقةٍ مختلفة هو سؤال "ماذا لو؟". "ماذا لو؟" هو سؤال يفتح أفاق التفكير ومنه تأتي أفكار عن عوالم موازيّة تجري فيها الأمور بطريقةٍ غير ما هي عليها في الواقع. أطرح الآن واحدًا من أسئلة "ماذا لو؟"
ماذا لو أتى يسوع الناصريّ مسيحًا كما تخيله اليهود، ملكًا لأنّه من نسل داود، غنيًا حيث المال هو علامة رضى الله عن عبيده في المجتمع اليهوديّ، ليس متألماً لأنّه إنسانٌ بارٌ أو بالأحرى الإله المتجسد الذي لا يمكن أن يعرف الآلام، ثائرًا متمردًا يرد الملك لإسرائيل...الخ. يبقى الصلب والموت والقبر والقيامة التي لا يمكن تجاهلها في السيناريو المتخيل، وأفرض في تخيلي أنّه صلب ومات بسبب تمرده على الحكام الرومانيّين، ثم قام لأنّه إله.
لو كان يسوع ملكًا غنيًا، لما كان سيرفض من اليهود، ولما كنا سنسمع عبارة "لا ملك علينا إلا قيصر".
لو كان يسوع ثائرًا متمردًا يرد الملك لإسرائيل، لما كان سيواجه مشاكل واضطهادات الفريسيّين والصدوقيّين وغيرهم.
لو لم يكن يسوع متألماً، لآمن به يهود العالم كلّه، وربما أصبح الإيمان به واجبًا وطقسًا وعقيدةً يهوديّة أصيلة وأساسيّة.
ولكن لننظر بعض الجوانب الأخرى...
لو كان المسيح غنيًا، لما كان مقنعًا لكلِّ فقيرٍ يعاني في هذه الدنيا... فما كان سيكون إله الفقراء...
لو كان المسيح ملكًا، لما كان مسيحًا عالميًّا لكلِّ إنسانٍ، بل كان سيكون مسيح اليهود فقط... فما كان سيكون إله جميع الأمم...
لو كان المسيح ثائرًا متمردًا يرد الملك لإسرائيل، لما كانت العبادة تصير عبادة الروح والحق... فما كان سيكون إله الروح والحق...
لو لم يكن المسيح متألماً، لما كان سيقنع الإنسان الذي يجابه الألم، لما كان إله الخليقة التي تئن لانفصالها عن الله... فما كان سيكون إله البشريّة...
لو لم يمت المسيح ويقوم، فكيف لو أن يتسلط على الطبيعة والشر والموت... فما كان سيكون إله الأحياء...
ولكنّ الناصريّ كان فقيرًا متواضعًا معلمًا متألماً خادمًا بارًا... وملكًا غنيًا ثائرًا متمردًا قائمًا...
كان الناصريّ ملكًا وربًّا... ومملكته ليست من هذا العالم...
كان الناصريّ غنيًا... وغناه هو الذي يغني كلَّ إنسانٍ روحيًّا وماديًّا...
كان الناصريّ ثائرًا متمردًا... وثورته هي ثورة القلوب، ثورة المحبة، ثورة ضد الطقوس والسيطرة والهيمنة...
كان الناصريّ مسيحًا للعالم كلِّه وللبشريّة جمعاء وليس لطائفة أو دين معين...
كان الناصريّ بارًا وقبل رفض الإنسان له لأنّه عاش بالمحبة...
كان الناصريّ متألماً... وأعطى الألم معنى، تجلٍ ومخاض قيامة تعطي الحياة...
ماذا لو أتى يسوع الناصريّ مسيحًا كما تخيله وانتظره اليهود؟؟؟ لما كان الله حقيقة!

سامر حنّا
26/8/2013


Sunday, August 25, 2013

أين أنت أيها الحبيب؟

أين اختفيت عني أيها الحبيب؟
لماذا لا أجدك حولي؟
لماذا عليَّ أن أجابه كل ما أواجه؟
حتى أقرب البشر لي يتهمونني...
وأنت أين تكون؟
كيف لا تسمع أنيني؟
كيف لا ترى أوجاعي؟
أيكون ذنبي أنّي بحثت عن كمالي؟
بحثت في كل شيء... فلم أجد ذاتي إلا فيك...
لم يرتاح قلبي إلا عندما اتحد بك...
لا أجد راحتي إلا في قلبك...
فبحثت عنك... أيكون ذنبي أنّي تركت كل شيء وتبعتك؟
تبعتك وجئت إليك... فوجدتك أقرب من ذاتي إليَّ...
وجدتك ما زلت تدعوني...
مثل عبدك موسى، لم أستطع الهروب إليك... أم كان هروبًا منك؟
فأعدته إلي فرعون... إلى البيت الذي تربى فيه... وهناك رأى قوتك وواجه أعدائك...
أين أذهب منك وأنت في كل مكان؟
ولما بحثت عنك في كل مكان... وجدتك في ذاتي...
فلماذا تدير وجهك عني؟
لماذا يقف الأقربين في قبالتي؟
أين تختفي أيها الحبيب؟
أعطيني حياتك...
أعطيني اسمًا جديدًا كما فعلت مع أحبائك، يعقوب وبطرس وشاول...
أعطيني قلبًا جديدًا يعرفك كقلب داود...
أعطيني أن أراك وأؤمن مثل توما...
لا تختفي عني في هواني... بل اكشف لي جمالك...
يا من خلقتني ودعوتني...
يا من عرفتني في أحشاء أمي...
يا من تحفظني في حدقة عينك...
أين أنت؟

سامر حنّا

24/8/2013

Friday, August 23, 2013

ضرورة!

ما أن يبدأ الإنسان التفكير حتى يفكر في النهاية، اللانهاية، الما بعد النهاية.
يظهر هذا جليًّا من الأرقام. الأرقام هي حقائق رياضيّة، ولا نهائيتها هي حقيقة يدركها العقل سريعًا. مثلاً: + 1 = . فما بدأ 1 + 1 = 2، لا يلبث أن يستمر إلى اللامتناهيّ.
ومن هذه الحقيقة الرياضيّة ندرك وجود ما يسمى لا نهاية. هذه اللانهاية (اللامحدوديّة) تطارد الإنسان في كلّ تفكيره وليس في الأرقام فقط. وذلك بسبب إدراك الإنسان لا محدوديته. هذا الإدراك يدفعه لا إراديًّا للتفكير في غير المحدود، سواء كان هذا غير المحدود هو هدفه كإنسان وسعيه الطبيعيّ أو اللجوء لكائن هو غير محدود، هذ الكائن الذي يسميه الجميع الله. والحل الثاني يبدو أكثر منطقيّة ليس فقط بسبب محدوديّة الإنسان التي تظهر أكثر ما تظهر في نهايته أي الموت، بل أيضًا بسبب حقيقة وجود لا نهاية.
أمّا سعي الإنسان الأساسيّ طوال تاريخه هو سعيه إلى الحقيقة. هذ السعي لم ولن ينتهي ما دام للإنسان وجود. هذا السعي يدل أول ما يدل على وجود ما نسميه الحقيقة. وهذه الحقيقة لم يصل إليها الإنسان. وصل الإنسان إلى حقائق رياضيّة، فلسفيّة، طبيعيّة...الخ. ولكن هذه الحقائق ليست ثابتة بل تتغير... أي إنّها ليست الحقيقة. لذلك لابد من وجود حقيقة ثابتة مطلقة غير محدودة لانهائيّة، هذه الحقيقة يسميها الكثيرون الله.
هذه الحقيقة التي لم يصل إليها الإنسان، إذا كانت غير محدودة فلا يمكن للإنسان المحدود أن يصل إليها، وهذا ما يتضح لنا خلال رحلة البشريّة على هذا الكوكب. وإذا كان الإنسان يظل يبحث عنها ولم يصل، فلابد لهذه الحقيقة غير المحدودة أن تظهر هي للإنسان، وهي ما تسميه الأديان الوحي، وما تسميه بعض الفلسفات الإشراق...الخ.
كذلك لا يمكن إنكار سعي الإنسان الدائم إلى الكمال والامتياز. سعيٌ دؤوبٌ إلى التفوق، الوضوح، سعيٌ متواصلٌ ليكون الأول، المعروف، الأعلى، الأنجح، الأقوى، الأصلح... المطلق!!
ولأنّ الإنسان محدودٌ، محدودٌ بطبيعته، بجسد، بإمكانيّاته، باختيارات الآخرين، بالموت، لا يمكنه الوصول إلى هذا الامتياز أو الكمال... وحده!
إنّما هذا السعي الدائم لدى الإنسان، يدل على إدراكه إمكانيّة بلوغ هذا الكمال ككائن وعلى وعيه أنّ ثَمَّة كائن كامل.
يبقى لنا أن نذكر أعمق رغبات الإنسان. وهي، مهما نقبنا، رغبة واحدة عميقة داخل كلِّ إنسان... هي الحبّ. رغبة متواصلة أن يُحِّب ويُحَّب. ولأنّ لا يوجد إنسانٌ، أو أي خليقة أخرى، يشبع كاملاً هذه الرغبة، نصل إلى وجود كائن يستطيع مثل هذا الإشباع. كائن يجب أن يكون مصدر الحب، بل هو الحب.
من كلِّ رغبات الإنسان هذه، نستنتج وجود كائن ما هو الحقيقة والكمال واللانهائيّة والحب.
هذا الكائن هو ما نسميه الله.
وكما سبق فلابد لهذا الكائن أن يظهر للإنسان لأنّ الإنسان بمحدوديّته وسعيه الدائم لم ولن يصل إلى هذا الكائن. السؤال هنا كيف يمكن لهذا الكائن، الحقيقة أن يصل إلى الإنسان؟ كما ذكرنا سابقًا هناك بعض التجليات التي من الممكن تسميتها الوحي أو الإشراق. ولكن لندرك كيف يمكن أن يتجلى هذا الكائن، يجب أن ننظر إلى الإنسان وتكوينه.
هذا الإنسان هو قمة الكائنات على هذا الكوكب، فهو يجمع في ذاته كلَّ مستويات الحياة. فنجد فيه المستوى الماديّ، والنباتيّ، والحيوانيّ، وأخيرًا الإنسانيّ أو الروحيّ.
ولتتجلى هذه الحقيقة إلى هذا الإنسان، لابد لها أن تخاطبه على جميع مستوياته، ولابد لها أن تشبع فيه جميع هذه المستويات.
وإذا فكرنا مثلاً في حبيبين، أحدهما، الحبيب مثلاً، في مصر، والحبيبة في أمريكا. ويريد الحبيب أن يعبر للآخر عن عمق حبه. قد يرسل رسائل، هدايا، أشخاص، وغير ذلك. ولكنّ كلّ هذا لا يعبر عن عمق الحب ولا يشبع المحبوبة كاملاً على جميع مستوياتها. فيبقى الحل الوحيد وهو أن يأتي الحبيب طائرًا بكامله، بإنسانيّته، بعواطفه، بجسده، بكلِّ مستوياته إلى المحبوبة.
ولذلك إذا أرادت الحقيقة المحبة اللانهائيّة أن تكشف ذاتها للإنسان، فلا تكفي الرسائل، الكتب، الإشراقات، الأشخاص، وكلّ هذا، ولكنّ الحل الوحيد إشباع الإنسان على كلّ مستوياته، هو أن تظهر هذه الحقيقة لهذا الإنسان على مستواه، مثله. الحل الوحيد هو أن تظهر الحقيقة في شخص.
شخصٌ هو الحقيقة واللامحدوديّة والحبّ في جسد. الحل الوحيد أمام الحقيقة هو التجسد.
لذلك إذا لم يظهر من يشبع الإنسان في جسدٍ بعد، فلابد له أن يظهر، وإلا فلا وجود للحقيقة ولا وجود للحب. وهو المستحيل بذاته!
لننظر إذًا في تاريخ البشريّة ونبحث عن المحبة والحقيقة المتجسدة في إنسانٍ.
نعم، ليكون الله هو الله، ليكون هو الحقيقة، ليكون هو الحبّ، يجب عليه أن يتجسد. وتاريخ البشريّة يرينا شخصًا واحدًا هو إنسان، إنسان حقيقيّ كامل، هو محبة إلى المنتهى. هذا الشخص يدعى يسوع الناصريّ الذي يقال له المسيح.

سامر حنّا
23/8/2013

Thursday, August 15, 2013

وأنتِ سيجوز سيفٌ في قلبكِ

"وأنتِ سيجوز سيفٌ في قلبك"... هل كان هذا جزاء من قالت "نعم"؟
"من أراد أن يتبعني فلينكر ذاته ويحمل صليبه ويتبعني"... هل هذا جزاء من يسأل "إلى من نذهب وكلام الحياة الأبديّة عندك"؟
"طوبى لكم إذا عيروكم واضطهدوكم وقالوا عليكم كلّ كلمة سوء من أجلي كاذبين"... هل هذا جزاء من أراد ملكوت السماوات؟
"في العالم سيكون لكم ضيق"... هل هذا جزاء من رأى أن عليه أن يعكس صورتك في العالم؟
هذه هي آيات التعزيّة التي دائمًا ما نقولها نحن المسيحيّون واثقين وراجين في إلهنا وسيدنا ومخلصنا يسوع المسيح... قد ينظر بعضهم إليها أنّها رموز استسلام وتواكل وليس توكل وثقة...
إلاّ أنّ النظرة المسيحيّة السليمة هي نظرة رجاء، هي ميثاق وعهد شركة بين الإله المحب والبشريّة محبوبته... يعرف المسيحيّ جيدًا أنّ البشريّة تئن بسبب انفصالها عن الخالق، يعرف أنّ الشر موجود وهو غياب الاتحاد المرجو مع الله في يسوع المسيح، يؤمن أنّ الله خير ومحبة، وأنّ البشريّة هي محبوبته التي يبحث عنها منذ أن تساءل "آدم، آدم، أين أنت؟"
الله لا يوزع صلبان على كلّ إنسان، ولكن هذا الصليب ناتج عن الانفصال عن الله.
الله لا يزيل الألم، ولكنّه يشارك الإنسان ألمه.
الله لا يحمل صليبك عنك، ولكنّه يحملك على كتفيه.
والإنسان المسيحيّ هو من يرى في كلّ ألم صليب، وفي كلّ صليب آلام مخاض، وفي كلّ مخاض قيامة. آلام المخاض هو أفضل تعبير عن كلّ آلام البشريّة بل عن كلّ أنين الخليقة جمعاء التي تنتظر تجلي أبناء الله...
ومن يقبل الصليب، من يرجو القيامة، وإن اجتاز سيفٌ قلبه كما حدث مع العذراء مريم، يتوج مثلها بالشمس والقمر والكواكب.

واليوم، في عيد انتقال السيدة ومع الأحداث التي تشهدها بلادنا ومسيحيّي مصر، ننظر إلى العذراء سيدة الآلام والانتقال ونقول معها "نعم"، نحمل الصليب، ونتحمل السيف، ونكون مثلها راجين تجلي ابنها وأبنائها جميعًا. 

Sunday, August 11, 2013

جيلنا بين التواصل الاجتماعيّ والحياة غير الاجتماعيّة

إنّ التواصل الاجتماعيّ هو أساس بناء المجتمع. وتواصل المجتمعات هو أساس بناء المجتمع العالميّ المسكونيّ. ويتجلى ذلك منذ فجر التاريخ... فالأديان جميعها تروي لنا كيف خُلق الإنسان، وحتى الحيوان، في ثنائيّات. وعندما كان الإنسان وحيدًا، خلق الله له معاونًا شبيهًا له. ومنذ بداية الحضارات، نجد السعي للتواصل. بل إنّ الحضارات أساسًا قامت على التواصل بين أفراد يعيشون في مكانٍ واحدٍ وبيئةٍ متشابهةٍ. ثم ظهر التعاون والتواصل بين الحضارات. واستمر هذا السعي طيلة التاريخ الإنسانيّ. إلاّ أنّه يظهر لنا سعيٌ آخرٌ موازيًا لسعي التواصل، هو سعي التميز والتفرد. ويتجلى هذا المنحى الآخر في الحروب والغزوات ومحاولات الإبادة وغيرها.
أمّا اليوم، يظهر لنا العالم كقرية صغيرة. فبعد أنّ كان الإنسان، هذا الكائن العلائقيّ الأول، يسعى دائمًا للتواصل وقليلاً للتفرد والوحدة، أصبح التواصل أسهل ما يكون. فما أكثر شبكات التواصل الاجتماعيّ وما أهمها. نجد شبكات لكلِّ شيءٍ وفي كلِّ مجال، من نقل الصور ومقاطع الفيديو والأفكار والمناقشات الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة والفلسفيّة والفنيّة، إلى ألعاب التواصل الاجتماعيّ باختلافاتها.
ولكن ما نواجه الآن هو تفوق التواصل الاجتماعيّ الالكترونيّ على التواصل الإنسانيّ المجتمعيّ الحقيقيّ. فعندما ننظر إلى مجموعة من الشباب في أي مكان، نجدهم دائمًا منهمكين في التواصل... ولكن أي تواصل؟!
هل فقد التواصل الإنسانيّ معناه ومغزاه وطعمه ورائحته، وأصبح الحل في التواصل عبر الشبكات والألعاب؟ هل فقدت الألعاب الجماعيّة متعتها وأصبحت Candy Crush وClash of Clans متعة الشباب من الجنسين؟ هل فقد الحبّ عطره وأصبحت الرسائل الإلكترونيّة هي مقياس العلاقة الناجحة؟ هل فقد الورق رائحته؟ هل فقدت الطبيعة رونقها وأصبحت Photoshop؟ هل فقد الله سمعه وبصره وأصبح إلهًا Wi-Fi؟ هل فقد الإنسان حريته وفرادته وأصبح Tag في صورة أو مع في Check-in؟ هل فقدت الأفكار أجنحتها وأصبحت Tweet من 140 حرفٍ؟
إنّ الإنسان هو القيمة العظمى والحقيقة المتجليّة. ولذلك وجب النظر والتوضيح. النظر في جيلٍ، بل أجيال، تبحث عن كمالها الإنسانيّ وفرادتها. وتوضيح لمغزى التواصل والعولمة.
لا نطلب الترك بل التخلي. لا نطلب الكف بل التحلي. لا نطلب الذم بل التجلي.
أيها الإنسان، أنت هو الحلّ!