Friday, August 23, 2013

ضرورة!

ما أن يبدأ الإنسان التفكير حتى يفكر في النهاية، اللانهاية، الما بعد النهاية.
يظهر هذا جليًّا من الأرقام. الأرقام هي حقائق رياضيّة، ولا نهائيتها هي حقيقة يدركها العقل سريعًا. مثلاً: + 1 = . فما بدأ 1 + 1 = 2، لا يلبث أن يستمر إلى اللامتناهيّ.
ومن هذه الحقيقة الرياضيّة ندرك وجود ما يسمى لا نهاية. هذه اللانهاية (اللامحدوديّة) تطارد الإنسان في كلّ تفكيره وليس في الأرقام فقط. وذلك بسبب إدراك الإنسان لا محدوديته. هذا الإدراك يدفعه لا إراديًّا للتفكير في غير المحدود، سواء كان هذا غير المحدود هو هدفه كإنسان وسعيه الطبيعيّ أو اللجوء لكائن هو غير محدود، هذ الكائن الذي يسميه الجميع الله. والحل الثاني يبدو أكثر منطقيّة ليس فقط بسبب محدوديّة الإنسان التي تظهر أكثر ما تظهر في نهايته أي الموت، بل أيضًا بسبب حقيقة وجود لا نهاية.
أمّا سعي الإنسان الأساسيّ طوال تاريخه هو سعيه إلى الحقيقة. هذ السعي لم ولن ينتهي ما دام للإنسان وجود. هذا السعي يدل أول ما يدل على وجود ما نسميه الحقيقة. وهذه الحقيقة لم يصل إليها الإنسان. وصل الإنسان إلى حقائق رياضيّة، فلسفيّة، طبيعيّة...الخ. ولكن هذه الحقائق ليست ثابتة بل تتغير... أي إنّها ليست الحقيقة. لذلك لابد من وجود حقيقة ثابتة مطلقة غير محدودة لانهائيّة، هذه الحقيقة يسميها الكثيرون الله.
هذه الحقيقة التي لم يصل إليها الإنسان، إذا كانت غير محدودة فلا يمكن للإنسان المحدود أن يصل إليها، وهذا ما يتضح لنا خلال رحلة البشريّة على هذا الكوكب. وإذا كان الإنسان يظل يبحث عنها ولم يصل، فلابد لهذه الحقيقة غير المحدودة أن تظهر هي للإنسان، وهي ما تسميه الأديان الوحي، وما تسميه بعض الفلسفات الإشراق...الخ.
كذلك لا يمكن إنكار سعي الإنسان الدائم إلى الكمال والامتياز. سعيٌ دؤوبٌ إلى التفوق، الوضوح، سعيٌ متواصلٌ ليكون الأول، المعروف، الأعلى، الأنجح، الأقوى، الأصلح... المطلق!!
ولأنّ الإنسان محدودٌ، محدودٌ بطبيعته، بجسد، بإمكانيّاته، باختيارات الآخرين، بالموت، لا يمكنه الوصول إلى هذا الامتياز أو الكمال... وحده!
إنّما هذا السعي الدائم لدى الإنسان، يدل على إدراكه إمكانيّة بلوغ هذا الكمال ككائن وعلى وعيه أنّ ثَمَّة كائن كامل.
يبقى لنا أن نذكر أعمق رغبات الإنسان. وهي، مهما نقبنا، رغبة واحدة عميقة داخل كلِّ إنسان... هي الحبّ. رغبة متواصلة أن يُحِّب ويُحَّب. ولأنّ لا يوجد إنسانٌ، أو أي خليقة أخرى، يشبع كاملاً هذه الرغبة، نصل إلى وجود كائن يستطيع مثل هذا الإشباع. كائن يجب أن يكون مصدر الحب، بل هو الحب.
من كلِّ رغبات الإنسان هذه، نستنتج وجود كائن ما هو الحقيقة والكمال واللانهائيّة والحب.
هذا الكائن هو ما نسميه الله.
وكما سبق فلابد لهذا الكائن أن يظهر للإنسان لأنّ الإنسان بمحدوديّته وسعيه الدائم لم ولن يصل إلى هذا الكائن. السؤال هنا كيف يمكن لهذا الكائن، الحقيقة أن يصل إلى الإنسان؟ كما ذكرنا سابقًا هناك بعض التجليات التي من الممكن تسميتها الوحي أو الإشراق. ولكن لندرك كيف يمكن أن يتجلى هذا الكائن، يجب أن ننظر إلى الإنسان وتكوينه.
هذا الإنسان هو قمة الكائنات على هذا الكوكب، فهو يجمع في ذاته كلَّ مستويات الحياة. فنجد فيه المستوى الماديّ، والنباتيّ، والحيوانيّ، وأخيرًا الإنسانيّ أو الروحيّ.
ولتتجلى هذه الحقيقة إلى هذا الإنسان، لابد لها أن تخاطبه على جميع مستوياته، ولابد لها أن تشبع فيه جميع هذه المستويات.
وإذا فكرنا مثلاً في حبيبين، أحدهما، الحبيب مثلاً، في مصر، والحبيبة في أمريكا. ويريد الحبيب أن يعبر للآخر عن عمق حبه. قد يرسل رسائل، هدايا، أشخاص، وغير ذلك. ولكنّ كلّ هذا لا يعبر عن عمق الحب ولا يشبع المحبوبة كاملاً على جميع مستوياتها. فيبقى الحل الوحيد وهو أن يأتي الحبيب طائرًا بكامله، بإنسانيّته، بعواطفه، بجسده، بكلِّ مستوياته إلى المحبوبة.
ولذلك إذا أرادت الحقيقة المحبة اللانهائيّة أن تكشف ذاتها للإنسان، فلا تكفي الرسائل، الكتب، الإشراقات، الأشخاص، وكلّ هذا، ولكنّ الحل الوحيد إشباع الإنسان على كلّ مستوياته، هو أن تظهر هذه الحقيقة لهذا الإنسان على مستواه، مثله. الحل الوحيد هو أن تظهر الحقيقة في شخص.
شخصٌ هو الحقيقة واللامحدوديّة والحبّ في جسد. الحل الوحيد أمام الحقيقة هو التجسد.
لذلك إذا لم يظهر من يشبع الإنسان في جسدٍ بعد، فلابد له أن يظهر، وإلا فلا وجود للحقيقة ولا وجود للحب. وهو المستحيل بذاته!
لننظر إذًا في تاريخ البشريّة ونبحث عن المحبة والحقيقة المتجسدة في إنسانٍ.
نعم، ليكون الله هو الله، ليكون هو الحقيقة، ليكون هو الحبّ، يجب عليه أن يتجسد. وتاريخ البشريّة يرينا شخصًا واحدًا هو إنسان، إنسان حقيقيّ كامل، هو محبة إلى المنتهى. هذا الشخص يدعى يسوع الناصريّ الذي يقال له المسيح.

سامر حنّا
23/8/2013

1 comment: