Monday, December 01, 2014

خيم الليلُ

خيم الليلُ على قرية "بيت لحم" الصغيرة من أعمال يهوذا... مسقط رأس جده الملك "داود"... وكان "يوسف" يندب حظَه العاثر الذي أجبره أن يأتي إلى هذه القرية الصغيرة في مثل هذا الطقس البارد...
ولكن ما باليد حيلة... إنّها أوامر القيصر... ومن له أن يعصَ أوامره...
كانت الأحاسيس تختلط داخل قلب "يوسف"... وكيف لا؟ وهو سليل أسرة "داود" التي ملكت على إسرائيل... كان منذ صباه يعرف تاريخ عائلته ويمني نفسه أنّه سيكون الملك المختار الذي يعيد الملك لعائلته ولبني قومه...
إلا أنّه الآن عليه أن ينصاع لأوامر المحتل ويأخذ خطيبته الحامل...
خطيبته الحامل؟؟!!!
نعم... إن خطيبته "مريم" حامل...
وهو يعرف الكتب... "ها إن العذراء تحمل وتلد ابنًا"... عرف "يوسف" إنّه ليس الملك المختار... إنّما هو ابن خطيبته... وكيف لا؟ فهو و"مريم" من عائلة ملكيّة و"مريم" نسيبة عائلة كهنوتيّة... نعم سيكون المختار ملك وكاهن...
ها إن "مريم" تتأوه... يبدو إنّها آلام المخاض...
يتعجب الرجال من وجع الآلام التي تلم بنسائهم وقت الولادة... تبدو لهم آلامَ موت... ولكنّها تحمل سمات الحياة...
يأخذ "يوسف" امرآته ويدخل بها إلى أفخم نزل في "بيت لحم"... تكفي إشارة منه إلى بطنها وإيمائات توحي كرامة العائلة ليُفتَح لهم أكبر جناح في النزل...
إنّه المولود الملكيّ...
ها إن عيني الطفل "يسوع" تتفتح... وتنظر إليه عيني الملكة الأم...
هذا الطفل الذي سيُربى على الملك والثورة... سيلتف حوله الجميع ويسانده... سيقتحم قصر المحتل ويعلن الاستقلال... وستهتف المسكونة "عاش الملك"... "لا ملك لنا إلا هو"...
إنّه الملك والكاهن والرب رغم أنف الجميع... إنّه المحبوب الذي لا يمكن أن ترفضه ولا يمكن أن تعصاه... إنّه الملك حيث لا يوجد معارض... إنّه الرب حيث لا يوجد غير مؤمن... إنّه الإجبار والأمر الواقع...
إنّه ليس الله الحرية الذي يعطي الحرية ويحرر من يطلب الحرية...
إنّه ليس المحبة... إنّه ليس الله...
وجد "يوسف" نفسه أمام مذودٍ حقير حيث البهائم وبعض الرعاة وملوك من الشرق يقدمون هدايا من ذهبٍ ولبانٍ ومرٍ...
وأدرك مصيرَ الطفل... وفهم معنى آلام "مريم"... ورأى الوجع الذي يحمل في طياتِه الحياة... وعرف أنّ صرخة البشر "يا ليتك تمزق السماوات وتنزل" يقابلها إله أخلى ذاته لأنّه يحب...
وآمن...

No comments:

Post a Comment