Wednesday, October 09, 2013

جناحان

"حيث ينتهي العلم، تبدأ الفلسفة. وحيث تنتهي الفلسفة، يبدأ الإيمان".
أتذكر حين سُئلت عن هذه المقولة، ومدى اتفاقي أو رفضي لها. كان هذا في بدايات دراستي الفلسفيّة. وأتذكر مناقشتي لموضوع العقل والإيمان في نهايات دراستي. ولذلك قررت أن أكتب في هذا الموضوع... وفي البدء يجب توضيح لماذا أوافق على العبارة السابقة وذلك بتوضيح ما هو المقصود بها.
يختلف الكثيرون حول موضوع العقل والقلب ويظنون أنهما متضادان، كما يختلفون أيضًا حول العقل والإيمان أو العلم والدين أو الفلسفة والوحي... كما اختلف الفلاسفة والعلماء فيما بينهم أيضًا، فهناك منهم من لا يؤمن سوى بما هو علميّ ومثبت، وآخرون يجدون في كلِّ علمٍ تجلٍ لله.
ولمناقشة المقولة السابقة، أدعو نفسي وأدعوكم لمشاهدة أي ظاهرة... هطول الأمطار مثلاً... في مواجهة ظاهرة مثل تساقط الأمطار، يختلف رد فعل الإنسان. فالإنسان العادي قد يتساءل عن الطقس وأحواله وتقلباته. أمّا العالم فيتساءل عن كيفيّة تساقط الأمطار، فيرى في هذه الظاهرة تصادم السحب وتكاثف المياه ودرجات حرارة وارتفاعات. ويأتي الفيلسوف ليسأل لماذا؟ بعد أن يتساءل كيفـ ويرى أهميّة الأمطار للصحاري والجبال والبحار والأنهار والنباتات والحيوان والإنسان. ولكنّه يصطدم بهذا النظام المحكم المستمر منذ الأزل وإلى الأبد، ولا يجد تفسيرًا لها، فبعد أن فسّر الكيف وتساءل عن اللماذا، يقف! وهنا يأتي دور الإيمان، فالمؤمن هو الذي يتأمل في كلِّ هذا، فبعد أن يسأل عن الطقس والكيفيّة والسببيّة، يتأمل هذه اللحظة، هذا الإبداع، هذا النظام، فيجد فيه عظمةَ خالقٍ... خالقٌ لا يغفو ولا ينام، لا يسهو عن أيٍ من مخلوقاته، من صحاري وجبال وبحار وأنهار ونبات وحيوان وإنسان... خالقٌ يعطي المعنى، بل هو المعنى...
وإذا أردنا تعميم الظاهرة السابقة، نجد الحقائق العلميّة غير مطلقة، فمنذ البدء وإلى الآن لم ولن يكف الإنسان عن الاكتشاف... ما يبدأ من جسده ويمتد غير متناهٍ في الكبر وغير متناهٍ في الصغر. والفلاسفة لم ولن يكفوا عن التساؤل عن السبب الواقع خلف كلِّ الظواهر القريبة والبعيدة، الصغيرة والكبيرة، الفيزيائيّة والميتافيزيقيّة...
أمّا القديس فهو من يدرك عقله وقلبه... يبحث عن الكيف واللماذا ويتأمل في نقل الجبال... يدرك حاضره ويعيشه... يدعو عقله للبحث في التاريخ والمستقبل والأبديّة... ويتسمع إلى قلبه في لحظته الحاضرة ويعيشها... يتأمل في ذاته ومحدوديته، وفي كيانه ووجوده وكماله... يعرف أنّه يعطي الحياة... ومعطى حياته... هذا القديس لا ينكر عقله وعدم استيعابه، ولا ينفي قلبه وعدم ثباته، ولكنّه يتمسك بإرادته... اختياره الإيمان، بذاته ووجوده قبل كلِّ شيءِ... ولو كان الإيمان فعلاً عقليًّا لكان كلُّ إنسانٍ مؤمنًا أو غير مؤمنٍ... وإذا كان فعلاً قلبيًّا فقط لما تبدل شعور الإنسان... إنّما الإيمانُ إرادةٌ، إرادة توحد العقل والقلب، فتسأل الكيف واللماذا وتتأمل وتعجب بل تؤخذ بالعظمة والجمال والإبداع...
أستطيع أن أستطرد في آراء الفلاسفة والعلماء بين مؤيد ومعارض، ومؤمن وغير مؤمن... ولكنّي أنهي بقول البابا يوحنا بولس الثاني: "الإيمان والعقل جناحان يحلق بهما الإنسان لبلوغ الحقيقة".

سامر حنّا

9 أكتوبر 2013

No comments:

Post a Comment