Monday, December 02, 2013

لحظة أبدية...

ماذا لو... ماذا لو وُلدت في مكانٍ آخر... ماذا لو عشت في زمنٍ آخر... ماذا لو كنت أذكى أو أجمل أو أطول... ماذا لو عاد بيَّ الزمن إلى تلك اللحظة... ماذا لو نعيش في مجتمعٍ نسائي... ماذا لو فاز هتلر في الحرب العالمية الثانية... ماذا لو لم يفكر نابليون في اقتحام روسيا... ماذا لو لم يخطئ آدم... ماذا لو؟!
إن عقل الإنسان لا يكف عن طرح هذا السؤال في كل زمانٍ ومكانٍ... سؤال "ماذا لو" الذي يبدأ من تساؤلٍ شخصيٍّ باحثٍ عن تغيير تاريخٍ فرديٍّ إلى تساؤلٍ عام يحاول السيطرة على تاريخ الجماعة والبشرية...
يرجع هذا التساؤل إلى محاولات الإنسان الدائمة للسيطرة على الزمن... وﻷنه يعجز عن قراءة المستقبل، فسرعان ما يسافر عقله إلى الماضي ليرسم صوراً أخرى تبدو له أكثر منطقية وإقناع... والنتيجة لا تتغير، فلا يمكن العودة لتغيير الماضي، ومستحيل الذهاب لتحقيق المستقبل. 
إلا أن الماضي والمستقبل هما أمران نسبيان... فلحظة كتابة أول كلمة في هذا المقال هي ماضٍ، وكتابة أخر نقطة هي مستقبل... أما الحقيقة الوحيدة هي هذه "الكلمة".
الحقيقة هي حاضر... حاضر دائم يُعاش بوعيٍ... الحقيقة هي هنا واﻵن... وإذا انطلقنا من هذه النتيجة وحاولنا تطبيقها على إنسانيتنا، نعجز... ﻷنّ كلَّ ما حولنا متغير... اﻷماكن، اﻷزمنة، اﻵخرون، ظروفنا، عقلنا، مشاعرنا، كل ما سبق متغيرات تجعلنا نعجز عن القبض على الحاضر... فمن منا لم يفكر في القبض على اللحظات التي عاش فيها حرية وفرح وحب وسلام، وتمنى ألا تنتهي... فنحن نريد إيقاف الوقت على أجمل لحظات حياتنا، ولا نستطيع! 
وإذا كانت الحقيقة هي حضور، ولمحدوديتنا لا نستطيع الحضور المطلق، وجب وجود حقيقة مطلقة خارج الزمان والمكان حاضرة دائمة... وهذا الحضور الدائم لا يتغير بمرور الوقت وتغير المكان، ﻷن الحقيقة ليست في الزمان ولا في المكان... مثل مركز الدائرة، لا يتغير وإن تغيرت النقاط على محيطها... هذا المركز الثابت هو المطلق... هو الله... هو حضور دائم وكامل وثابت ﻷجمل ما قد نحيا، الفرح والحرية والحب والسلام... هو الحياة...
والحياة في قلب الله، هي حياة الحضور... هي حياة خارج الزمن والمكان... هي اختصار اﻷبدية في لحظة، وامتداد اللحظة في اﻷبدية... لذلك هي ما لم تره عين، لم تسمعه أذن، لم يخطر على قلب بشر... 
هذه اﻷبدية هي اختيار شخصيّ، يبدأ باختبار... اختبار حياة الملء... حياة الحضور... حياة التجدد...
ولهذا فإن أحلى نعم الله على الإنسان هي تجدد اﻷيام وفي ذات الوقت معدوديتها... 
لجعل كل يوم من هذه اﻷيام... أبدية!

1 comment: