Tuesday, December 03, 2013

حسن جداً...

"لنخلقن اﻹنسان على صورتنا كمثالنا...
فخلق الله الإنسان على صورته... ذكرًا وأنثى خلقهم".
بعد أن فرغ الله من خلق السماوات والأرض... بعد أن فصل المياه... بعد أن خلق النيرين الكبيرين... بعد أن قال "كن" فكان... بعد أن انتهى من الدواب والزواحف واﻷسماك والطيور... رأى كل هذا حسن...
لكنه لم ير صورته ومثاله... لم ينفخ روحه... لم يعط محبته... لم يهب حريته... فصنع اﻹنسان... لم يقل "كن" بل جبل طين... لم يطلقه في اﻷرض أو الماء بل نفخ روح... لم يفصل بل خلقه ذكرًا وأنثى... لم يمنع بل وهبه الحرية والحب... وهبه صورته... وسلطه على كل اﻷرض والمخلوقات ليكون على مثاله... فرأى ذلك حسن جداً!
يحيرني سفر التكوين عندما يقول "على صورته" ولا يكمل "كمثاله" كما في اﻵية السابقة... بل يؤكد خلقه ذكرًا وأنثى ويؤكد تسلطه على اﻷرض والمخلوقات... وكأن هذا هو مثال الله... والصورة هنا ليست الشكل، فالله لم يره أحد قط بل الابن الذي في حضن اﻵب هو أخبر عنه... أخبر إنه أب، أخبر إنه محبة، أخبر إن بإمكان الإنسان أن يحيا... أما المثال، فالابن كان له السيطرة على الطبيعة، والمرض، واﻷلم، والأرواح، والموت... وهذا ما سعى إليه الإنسان طوال تاريخه على هذه الأرض...
إن الإنسان خلق على صورة الله، وبداخله سعي إلى اللامحدود... وإن كان الله رأى هذا حسن جداً، فإن الإنسان لم يدرك هذا السعي وهذه النعمة... بل سعى إلى السيطرة على كل شيء، الصورة، والشكل، والمخلوقات، ونفسه، وأخيه، وحتى الله...
وهذا السعي الحر وإن كان هو سبب تقدم الإنسان، إلا إنه أيضًا سبب عذابه وخطيئته... وسبب البعد عن الله، وهو من خلق الإنسان حر من فرط محبته...
وإن كان الابن هو الذي حقق هذا المثال، فهو يدعونا إلى الاقتداء به فنحقق ملء إنسانيتنا... نحقق وحدتنا مع الكون، مع اﻵخر، ومع الله... وهو يعطينا السبيل الوحيد... وهذا السبيل هو اختيار الوحدة مع الله بملء حريتنا... فكم من مرة نرى الابن ينفرد إلى مكان قفر ليصلي... ليستمع إلى قلبه الدائم الوحدة مع الله، حتى وإن اختبر الألم والانفصال والموت...
إن الله خلقنا على صورته... فكان ذلك حسن جداً... فهل أدركنا هذه النعمة؟

No comments:

Post a Comment