Saturday, June 22, 2013

دوري ودورك؟!

تخيل معي زمان ومكان مختلفين... زمان ومكان حيث نجح الإنسان في الوصول إلى خلق أجنة محددة الهوية والدور. أي منذ التلقيح الاصطناعيّ يكون معروفًا أنّ هذا الجنين سيكون فلان بن فلان وسيعمل عامل، أو مزارع، أو مهندس، أوزعيم، أو محارب... تخيل معي هذا الزمكان حيث يكون كلّ جنين وكلّ إنسان هو فرد، لا بل هو رقم ودور... في هذا الزمكان يفقد الإنسان حرية الاختيار، حرية بناء شخصيّته، وحرية تكوين انتمائاته وقناعاته...
هذا الزمكان ليس بعيدًا عنا الآن، انظر حولك لتدرك ذلك. انظر حولك لتدرك إنّ العالم يتحول إلى هذا... يتحول الإنسان بشخصه إلى رقم، الجندي في الجيش رقم، العامل في المصنع رقم، المزارع في الحقل رقم، أنت في بلدك رقم، في دينك رقم، في العالم أنت رقم... رقم يحدده فقط الدور الذي تقوم به، ربما ليس هو الدور الذي تختاره بذاتك، بل هو دور نتيجة دينك أو جنسيتك أو دراستك أو عائلتك... دور قد لا تختار منه شيء، ولكنّك على الأقل تختار أنّ تبقى فيه ولا تغيّره... أنظر حولك، فتجد الناس تتكلم عن دور المصريّ بين العرب، ودور المسيحيّ في الشرق، ودور ودور وأدوار كثيرة... ولكنّنا أنا وأنت، أنحن فقط أدوار؟ أدوار محددة؟ أدوار مرتبطة باختيارات قام بأغلبها آخرون عنا؟
إنّ لكلٍّ منا دور، هذا صحيح... ولكنّه ليس دورًا محددًا، مثلاً كأنّ أكون عاملًا وأنّ تكون أنت عاملًا، هذا لا يعني أنّه يمكن تبديلك بي وتبديلي بك... بل إنّ الشخص هنا يصنع الفارق... الشخص هو أنا وأنت كلّ بفرادته، بمعتقداته، بتاريخه، بوجوده... أمّا في أيامنا هذه، فيحاول الكثيرون ربط الوجود بالدور، أي إنّك موجود بقدر ما تفعل الدور المطلوب منك... ولكنّ الوجود لا يتوقف على الدور... الوجود يتوقف عليك، أنت الإنسان، سيد الخليقة، وصورة الله على الأرض... أنت الذي يخلق دوره الفريد الذي لا ينازعه عليه شخص آخر... أنت لست رقمًا، ولا دورًا...
في أيامنا هذه، في أيام ينحصر بها الإنسان بالدور الذي يلعبه، في أيام بدأ تبديل الإنسان بروبوتات محددة الدور، في أيام يتطور العلم ليحاول الوصول إلى هذا الزمكان الذي يولد فيه الإنسان ليقوم بدور محدد ليس إلا، تواجهنا تحديات عدّة... أهمها إدراك وجودنا، ووجود من حولنا، إدراك أنّ الوجود يسبق الدور والماهيّة... وعندما ندرك هذا نبدأ رحلة الاهتمام بوجود كلّ إنسان، كل شخص، وإيقاظه ليخلق بكلّ حرية شخصه ودوره، ليساهم هو أيضًا في تغيير هذا العالم...


No comments:

Post a Comment